Accéder au contenu principal

الاعلام و المتلقي

لكل يوم وقائع ، في كل مكان أحداث ، و في كل زمن خطابات و إعلانات . أما نحن ... في مكان بعيد عن كل مكان ، و لكي نقترب من كل مكان ظهر ، و لنعرف كل الاحداث حضر ، لنبذ الأسرار وظف ، و بالسلطة الرابعة وصف . من غير الإعلام ؟!

الإعلام صندوق جبار يجمع العالم الفسيح فيقدمه بين يدي المتلقي صغيرا ملموما في لوحة تشكيلية قد تكون من وحي الواقع و قد تكون من خيال الاعلامي ، لوحة ألوانها فضح أسرار و مدح أبرار ، و أوراقها قصف الطغاة و إنصاف الرعاة . حقا هو سم قاتل و دواء شاف ، لكنه دائما لبنة الحضارة و همزة وصل بين الشعب و الادارة .

الحياة تسير بتواصلات و اتصالات ، و التواصل يتم عبر كلمات و إشارات ، و هكذا تنقل العبارات و المعلومات ... أما الإعلام ، فيعمل على جذبها ، و بعد سردها يقوم بنشرها ، لتبلغ كل الشعب المتلقي . يستطيع الإعلام بذلك أن يتحكم بالمعلومة ، فيكون سلطانا عليها باسم حرية التعبير . لكن عرش هذا السلطان لن يخضع المتلقي إلا إذا احترم بعض المعايير ، و هي عبارة عن إدراج الحجج و البراهين ، ليكون أوسع و أقوى حسب جودة المقادير . فيجعل متابعيه على العالم منفتحين ، و بأفكاره مقتنعين ، و إلى توجهاته في شتى الميادين منتمين ، فهو يستغل محدودية مداركهم ، فتسول له نفسه أن يحبك أي معلومة يشاء فيعتقدون أنها اليقين ، حتى يجدوا أنفسهم بإصداراته متمسكين ، و هكذا يكون السلطان قد أخضع أمة المتلقيين تحت سلطته الفكرية و الثقافية و السياسية و الاجتماعية ، دون أن تتبادر إلى أذهانها لو تكون هذه المعلومات خيالية ، و إلا فأين ستجد الحقيقية ؟

صحيح أن لا يستطيع كل شخص أن يصنع إعلامه ، لكن كل شخص يستطيع الإيمان بمبادئه و يجعلها سلاحا يكسر به طغيان الإعلام ، و ميزانا يميز به بين الصالح و الطالح من الكلام . لكن ندرة الانسان المبادئي حاليا تضاهي ندرة الماء في الصحراء ، ليصير كائنا يقبل العيش بين جدران متناقضة ، ميزانه الوحيد هو اغلبية مجتمع يشبهه . ماكان الاعلام ليغفل عن هذه الحقيقة ، بل حولها الى نقطة قوة جديدة وهو يضيف الى مصادر حججه و براهينه القاطعة ، مصدرا جديدا يسمى بالاحصائيات ، منطلقا من مبدأ : " الحقيقة هي رأي الأغلبية " و هو مبدأ غير صائب من وجهة نظر علمية و فلسفية . إلا أن هذا الأمر برمته يدل على تلك العلاقة السلطوية الثنائية بين الإعلام و المتلقي ، و يثبت أن هذا الاخير يؤثر بدوره على الاعلام فيرغمه كل مرة على ايجاد سبل جديدة لباب الاقناع .

و مثالا على هذه العلاقة بين الاعلام و المتلقي ، قد نجد منابر اعلامية تنشر صورة شخص ما في اطار ملائكي ، بينما منابر اخرى قد تنشر صوره في اطار شيطاني . هذا ليس انفصاما في شخصية هذا الشخص ، لكنها تغطيتين اعلاميتين من زاويتين متناقضتين . قد لا يقتنع احد المتلقين بزاوية احدى المنابر فتلجأ إلى التوكيد و التكرار على حججها ، هذا أيضا ليس مجرد محاولات بائسة يائسة ، بل هي استراتيجية أثبتت نجاعتها في الاقناع . أما إذا كشف المتلقي كذب الاعلام ، فسيفقد مصداقيته و ينهار تماما ، و هذا قد يؤدي إلى تيهان الشعوب كما يحصل في بعض البلدان العربية الشقيقة حاليا .

من خلال كل هذا يتبين أن الشعوب تحتاج للإعلام ، و الإعلام يحتاج للمتلقي ، و كل يحاول بسط سيطرته و سلطته على الاخر في حرب ضروس ، ليس في مصلحة المجتمع أن يحسمها أحد أطرافها ، فهذه ربما هي الحرب الوحيدة التي تنشر الخير .

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Corrigé examen Algebre 3 ,FSDM SMIA S2

Examen : Algebre SMP

Racine de 6 n'appartient pas à Q